من منكم يملك الحقيقة؟
أمر طبيعي أن يختلف الناس في مناحي حياتهم وتفكيرهم وآرائهم ونظرياتهم
وايدولوجياتهم ولكن الأمر غير الطبيعي أن تدعي كل امة أو مذهب أو نحلة أو
حزب أو طريقة أو فرقة أنها تملك الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة .
ولو تتبعنا تاريخ الملل والنحل والأحزاب والفرق والطرق منذ بداية الفتنة
الكبرى وحتى الآن في البلاد العربية والإسلامية لوجدناها كثيرة ومتنوعة
وبعضها رسمت تاريخها بالدم والعنصرية وهم كثر وبعضها آمن بحرية الفكر
والمنهج والطريقة دون دم وتعصب وهم قلة .
أنا أعرف أن بعض تاريخ أوروبا وأمريكا وحتى بقية العالم كان مأساويا وحتى
زمان غير بعيد قتل الملايين في الحرب العالمية الأولى والثانية وكأن العالم
كان لا يعرف غير الدم ورائحة اللحم المحروق ولكن الأمر بدأ يتغير في دول
العالم وبدا ينحى إلى الوحدة والتوحد والاستقرار والرفاهية وأقرب مثال على
ذلك الوحدة الأوروبية بالرغم من اختلاف لغاتها وعقيدتها السياسية والدينية
وحدث ولا حرج عن التقدم العلمي والصناعي والتكنولوجي في دول الغرب وفي كثير
من دول الشرق وهذا لا يعني أن الدول التي ذكرتها تعيش في مثالية مطلقة
وأنها هي مثلي الأوحد.
والذي يهمني مما ذكرته سابقا أننا إذا راقبنا ما يحدث في كثير من الدول
العربية والإسلامية الان أو ما حدث فيها منذ زمن غير بعيد لا تجد إلا
تاريخا اسود مأسويا فها هي الجزائر قد فقدت من خيرة أبنائها حوالي ستمئة
الف ضحية وبلا ثمن وها هو نفس الأمر يوشك أن يتكرر في فلسطين بعد
الانتخابات التي حدثت مؤخرا وحدث ولا حرج عن الأمور الكارثية التي تحدث في
العراق وافغانستان والسودان وليس خافيا عليكم ان الكثير من الأمور
الماساوية والسوداوية حدثت بعد ظهور مصطلح الانتخابات .
فأي معنى للانتخابات إذا كانت الفرق والنحل والاحزاب والطوائف المنتشرة في كل مكان لا تؤمن الا
بنفسها ولا تحترم الآخر وتتمنى زواله وتخطط في الليل البهيم الهجوم
والانقضاض عليه نفسها الا الحزب الأوحد الذي لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه.
وما قيمة الانتخابات التي حدثت في فلسطين مؤخرا وقد انقسم العرب عربين
غزستان وضفستان وما قيمة الانتخابات التي لا تخلف الا القتل واراقة الدماء.
تصبح الانتخابات ذا معنى عندما تؤمن الملل والنحل والفرق وألاحزاب ببعضها
وتؤمن بأن الحقيقة يمكن ان يملكها غيرها وعندما تؤمن انها ليست الوحيدة
الوصية على امتلاك الحقيقة.
تذكرني قصة من التاريخ الاسلامي في الاندلس تدلل على قيمة الوحدة والتوحد
كان المعتمد بن عباد اميرا على اشبيلية عام 1068م وكان على علاقة متأججة
مع يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين وكان امام المعتمد بن عباد اما الارتماء
في احضان الفرنجة الاعداء أو التنازل عن كبريائة والتوحد مع يوسف بن
تاشفين لقتال الأعداء وقال كلمته المشهورة: لأرعى جمال يوسف بن تاشفين خير
لي من أن اعيش في قصور الفرنجه ذليلا مهانا واتحد مع يوسف بن تاشفين
وانتصرا على الفونصو السادس في موقعة عظيمة تسمى الزلاقة التي أخرت خروج
العرب من الاندلس سنين طويلة.